فصل: الجزية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.الكذب والخداع عند الحرب:

يجوز في الحرب الخداع والكذب لتضليل العدو ما دام ذلك لم يشتمل على نقض عهد أو إخلال بأمان.
ومن الخداع أن يخادع القائد الاعداء بأن يوهمهم بأن عدد جنوده كثرة كاثرة وعتاده قوة لا تقهر.
وفي الحديث الذي رواه البخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحرب خدعة».
وأخرج مسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، قالت:
لم أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب مما يقول الناس إلا في الحرب، والاصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها الفرار من المثلين تقدم انه يحرم الفرار أثناء الزحف إلا في إحدى الحالتين: التحرف للقتال، أو التحيز إلى فئة.

وبقي أن نقول: إنه يجوز الفرار أثناء الحرب إذا كان العدو يزيد على المثلين، فإن كان مثلين فما دونهما فإنه يحرم الفرار، يقول الله عزوجل: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين}.
قال في المهذب: إن زاد عددهم على مثلي عدد المسلمين، جاز الفرار.
لكن إن غلب على ظنهم أنهم لا يهلكون، فالافضل الثبات.
وإن ظنوا الهلاك، فوجهان: الأول يلزم الانصراف، لقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
الثاني فيستحب ولا يجب، لأنهم أن قتلوا فازوا بالشهادة.
وإن لم يزد عدد الكفار على مثلي عدد المسلمين، فإن لم يظنوا الهلاك لم يجز الفرار، وإن ظنوا فوجهان:
يجوز لقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
ولايجوز، وصححوه، لظاهر الآية.
وقال الحاكم: إن ذلك يرجع إلى ظن المقاتل واجتهاده، فإن ظن المقاومة لم يحل الفرار، وإن ظن الهلاك جاز الفرار إلى فئة وإن بعدت، إذا لم يقصد الاقلاع عن الجهاد.
وذهب ابن الماجشون ورواه عن مالك إلى: أن الضعف إنما يعتبر في القوة لا في العدد، وأنهيجوز أن يفر الواحد عن واحد إذا كان أعتق جوادا منه، وأجود سلاحا، وأشد قوة وهذا هو الاظهر.

.الرحمة في الحرب:

إذا كان الإسلام أباح الحرب كضرورة من الضرورات، فإنه يجعلها مقدرة بقدرها، فلا يقتل إلا من يقاتل في المعركة، وأما من تجنب الحرب فلا يحل قتله أو التعرض له بحال.
وحرم الإسلام كذلك قتل النساء، والاطفال، والمرضى، والشيوخ، والرهبان، والعباد، والاجراء.
وحرم المثلة، بل حرم قتل الحيوان، وإفساد الزروع، والمياه، وتلويث الآبار، وهدم البيوت.
وحرم الاجهاز على الجريح، وتتبع الفار، وذلك أن الحرب كعملية جراحية، لا يجب أن تتجاوز موضع المرض بمكان.
وفي ذلك روى سليمان بن بريدة عن أبيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم.
كان إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: «أغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، أغزوا ولاتغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا».
وحدث نافع عن عبد الله بن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان. رواه مسلم.
وروى رباح بن ربيع: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر على امرأة مقتولة في بعض الغزوات ولعلها هي المرأة في الحديث المذكور قبل هذا.
فوقف عليها، ثم قال: «ما كانت هذه لتقاتل» ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لاحدهم: «الحق بخالد بن الوليد، فلا يقتلن ذرية، ولاعسيفا أي أجيرا ولا امرأة».
وعن عبد الله بن زيد قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النهبى والمثلة». رواه البخاري.
وقال عمران بن الحصين: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة، وينهانا عن المثلة».
وفي وصية أبي بكر رضي الله عنه لاسامة حين بعثه إلى الشام: «لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولاتذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرا، إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع» يريد الرهبان، «فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».
وكذلك كان يفعل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد جاء في كتاب له: «لاتغلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا، واتقوا الله في الفلاحين» وكان من وصاياه لامراء الجنود: «ولا تقتلوا هرما، ولا امرأة، ولا وليدا وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان، وعند شن الغارات».

.الغارة على الأعداء ليلا:

ويجوز الاغارة على الأعداء ليلا.
قال الترمذي: وقد رخص قوم من أهل العلم في الغارة بالليل، وكرهه بعضهم.
وقال أحمد وإسحاق: لا بأس أن يبيت العدو ليلا.
وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم، فقال: «هم منهم» رواه البخاري ومسلم من حديث الصعب بن جثام.
قال الشافعي: النهي عن قتل نسائهم وصبيانهم، انما هو في حال التمييز والتفرد.
وأما البيات، فيجوز، وإن كان فيه إصابة ذراريهم ونسائهم.

.انتهاء الحرب:

تنتهي الحرب بأحد الأمور الآتية:

.1- إسلام المحاربين:

أو إسلام بعضهم ودخولهم في دين الله، وفي هذه الحال يصبحون مسلمين، ويكون لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم من الحقوق والواجبات.

.2- طلبهم إيقاف القتال مدة معينة:

وحينئذ يجب الاستجابة إلى ما طلبوا، كما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية.

.3- رغبتهم في أن يبقوا على دينهم مع دفع الجزية:

ويتم بمقتضى هذا عقد الذمة بينهم وبين المسلمين.

.4- هزيمتهم وظفرنا بهم:

وانتصارنا عليهم، وبهذا يكونون غنيمة للمسلمين.

.5- وقد يحدث أن يطلب بعض المحاربين من الاعداء الأمان:

فيجاب إلى ما طلب، وكذلك إذا طلب الدخول في دار الإسلام، ومن ثم فإنا نتحدث بإجمال فيما يلي عن هذه الأمور:
1- عقد الهدنة والموادعة.
2- عقد الذمة.
3- الغنائم.
4- عقد الأمان.

.الهدنة:

.متى تجب الموادعة والهدنة:

عقد الهدنة والموادعة هو الانفاق على ترك القتال فترة من الفترات الزمنية قد تنتهي إلى صلح، وتجب في حالين:

.الحالة الأولى:إذا طلبها العدو:

فإنه يجاب إلى طلبه ولو كان العدو يريد الخديعة، مع وجوب الحذر والاستعداد.
يقول الله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله}.
وفي غزوة الحديبية هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي مكة، ووادعهم مدة عشر سنين، وكان ذلك حقنا للدماء، ورغبة في السلم.
عن البراء رضي الله عنه قال: «لما أحصر النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت صالحه أهل مكة على أن يدخلها فيقيم بها ثلاثا، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح، السيف وجرابه، ولا يخرج بأحد معه من أهلها، ولا يمنع أحدا يمكث بها ممن كان معه قال لعلي أكتب الشرط بيننا: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال له المشركون: لو نعلم أنك رسول الله تابعناك، ولكن أكتب: محمد بن عبد الله فأمر عليا أن يمحوها فقال: لا والله لاأمحوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرني مكانها، فأراه مكانها فمحاها، وكتب ابن عبد الله فأقام بها ثلاثة أيام فلما كان اليوم الثالث، قالوا لعلي: هذا آخر يوم من شرط صاحبك، فمره فليخرج فأخبره بذلك، فقال: نعم، فخرج».
وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه، أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس، وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال. رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

.الحالة الثانية: التي تجب فيها المهادنة:

الاشهر الحرم، فإنه لا يحل فيها البدء بالقتال، وهي ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب.
إلا إذا بدأ فيها العدو بالقتال، فإنه يجب القتال حينئذ دفعا للاعتداء، وكذلك يباح فيها القتال إذا كانت الحرب قائمة ودخلت هذه الاشهر ولم يستجب العدو لقبول الموادعة فيها.
يقول الله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم}.
وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع فقال: «أيها الناس: {إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله} وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر في كتاب الله، يوم خلق الله السموات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات، وواحد فرد، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، فهو الذي بين جمادى وشعبان، ألا هل بلغت، اللهم اشهد».
وما ورد من أن ذلك منسوخ، فهو ضعيف، لأنه ليس فيه ما يدل على النسخ.

.عقد الذمة:

الذمة هي العهد والأمان: وعقد الذمة هو أن يقر الحاكم أو نائبه بعض أهل الكتاب - أو غيرهم - من الكفار على كفرهم بشرطين: الشرط الأول أن يلتزموا أحكام الإسلام في الجملة.
والشرط الثاني أن يبذلوا الجزية.
ويسري هذا العقد على الشخص الذي عقده، مادام حيا وعلى ذريته من بعده.
والاصل في هذا العقد قول الله سبحانه: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
وروى البخاري: أن المغيرة قال - يوم نهاوند -: أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية.
وهذا العقد دائم غير محدود بوقت ما دام لم يوجد ما ينقضه.

.موجب هذا العقد:

وإذا تم عقد الذمة ترتب عليه حرمة قتالهم.
والحفاظ على أموالهم، وصيانة أعراضهم، وكفالة حرياتهم، والكف عن أذاهم، لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا.
والقاعدة العامة التي رآها الفقهاء: أن لهم ما لنا، وعليهم ما علينا.

.الأحكام التي تجري على أهل الذمة:

وتجرى أحكام الإسلام على أهل الذمة في ناحيتين:

.الناحية الأولى المعاملات المالية:

فلا يجوز لهم أن يتصرفوا تصرفا لا يتفق مع تعاليم الإسلام، كعقد الربا، وغيره من العقود المحرمة.

.الناحية الثانية العقوبات المقررة:

فيقتص منهم، وتقام الحدود عليهم متى فعلواما يوجب ذلك.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا بعد إحصانهما.
أما ما يتصل بالشعائر الدينية من عقائد وعبادات وما يتصل بالاسرى من زواج وطلاق، فلهم فيها الحرية المطلقة، تبعا للقاعدة الفقهية المقررة: «اتركوهم وما يدينون».
وإن تحاكموا إلينا فلنا أن نحكم لهم بمقتضى الإسلام، أو نرفض ذلك.
يقول الله تعالى: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين}.
هذا ما يتعلق بالشرط الأول، وأما شرط الجزية فنذكره فيما يلي.

.الجزية:

.تعريفها:

الجزية مشتقة من الجزاء، وهي: مبلغ من المال يوضع على من دخل في ذمة المسلمين وعهدهم من أهل الكتاب.

.الاصل في مشروعيتها:

والاصل في مشروعيتها قول الله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} روى البخاري والترمذي عن عبد الرحمن بن عوف.
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.
وروى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس البحرين، وأخذها عمر رضي الله عنه من فارس، وأخذها عثمان من الفرس أو البربر.
حكمة مشروعيتها: وقد فرض الإسلام الجزية على الذميين في مقابل فرض الزكاة على المسلمين، حتى يتساوى الفريقان، لأن المسلمين والذميين يستظلون براية واحدة، ويتمتعون بجميع الحقوق وينتفعون بمرافق الدولة بنسبة واحدة، ولذلك أوجب الله الجزية للمسلمين نظير قيامهم بالدفاع عن الذميين وحمايتهم في البلاد الإسلامية التي يقيمون فيها: ولهذا تجب - بعد دفعها - حمايتهم والمحافظة عليهم، ودفع من قصدهم بأذى.